كما لا تحدد الكلمات موقعها من الإعراب لا ستطيع الداخلية
تحديد موقعها من السلطة مثلها مثل باقي مؤسسات وهيئات الدولة. فإذا رفع علم
الرئاسة اسم مبارك، كانت سياسة العادلي هي السائدة وإذا رفع قصر الاتحادية علم
الإخوان، سادت سياسة محمد إبراهيم وزير داخلية الإخوان. والنتيجة طبيعية للغاية أن
نرى أوجه شبه تصل إلى حد التطابق بين السياستين في ضوء عدم حدوث أي تغيير للأفضل
يُذكر بين نظام مبارك ونظام الإخوان لأن نظام الإخوان ببساطة أتى من سفاح فهو طفل
غير شرعي جاء إلى الدنيا عن طريق علاقة آثمة بين المجلس العسكري والمرشد ليتحول
إلىنظام مباركي هجين بعد أن كان مجرد مكون من مكونات هذا النظام يلعب دور المعارضة
الكرتونية.
بذلك أتعجب من تعجبكم من ممارسات الداخلية وكأنها جديدة
علينا وكأننا نراها للمرة الأولى وأراني حائر عندما أسمع قصائد مديح في مبارك
والعادلي لمجرد أنه كان بالبلدي كده بيختشي وعنده حياء. ولكن أود أن أقول لأصحاب
هذه المقارنات أمرين غاية في الأهمية بالنسبة لي:
الأول: أنه لا حياء في القتل فهو تدخل في إرادة الله ولم
يضع الله له عقابًا إلى القتل أيضًا وحرمان القاتل من حياته كما حرم المقتول من
الحياة بلا حق.
الثاني: أنه لا يمكننا تجاهل آلاف من قُتلوا في سجون
مبارك على مدار سنة ونرفع له القبعة لمجرد أنه ذبحهم في سلخانته بعيدًا عن أيعننا
حفاظًا على مشاعرنا. فالحقيقة أنني وغيري من أحرار الثورة منزوعي النطاعة
والمخليين من الندالة يرون أنه ليس من وادبنا الوطني أن نقدم قربانًا للسلطة في
صورة بضعة آلاف من المواطنين حتى تقتلهم جزاءً منا لهم على حكمنا وحمايتنا. القتل
المادي والمعنوي بالسحل والإذلال والتعذيب مرفوض ولن يعود إلى سابق عهده مهما حدث.
على ذلك، لا ألوم الداخلية لمباشرة الجرم وفعلها بأيديها
فقط، بل ألومهم أيضًا لأنهم لم يتعلموا الدرس الماضي ولم يستعوبوه ولا يضعونه
أماهم أثناء محاولة استعادة كيانهم من جديد. مثلهم في ذلك مثل الحكام الذين يحددون
محل الداخلية من الإعراب وسياسة تشغيلها وطريقة عملها، ولن أقول عقيدتها لأنها ليس
لديها عقيدة حيث تأخذ الأوامر في كل شيء حتى طريقة التفكير يجب أن تكون اتباعًا
للأوامر.
عمومًا إذا كان الحكام مصرون على عدم التعلم من أخطاء
سابقيهم وإذا كان وزير الداخلية ومعاونيه لا زالوا يتنطعون بالنظام ويخبئون وراءه
ليوفر لهم غطاء سياسي يعرون به المصريين، فلابد لنا من أن نبشرهم بأن الدرس القادم
اقترب وأن عليهم الاستعداد للجلوس منتبهين والثورة تلقنهم درسها الجديد. وأرى أن
الحصة الثانية سوف يكتب الشعب على سبورته "كسر الداخلية تاني". وأخيرًا عزائي وبني وطني من أفراد الشرطة لن ينفعكم شيء إلا العودة إلى واجبكم الأساسي وما أنتم مكلفون به من واجبات تتمثل في نشر لأمن بين المواطنين. لن تنفعكم وقفات احتجاجية واهية لا معنى لها إلا أنكم تريدون إعفاء من أي مسئولية عن قتل المواطنين تريدون التسليح والضوء الأخضر قتل المصريين. ولن تنفعكم مخططات خفية يرسمها لكم الأمن الوطني للالتفاف على الشعب وعلى وعيه وإلمامه وتمرسه وخبرته الطويلة بكم وبعقيدتكم. لن ينفعكم إيهام شعب مصر بأنكم ترفضون الانصياع لأوامر القتل، خاصةً وأن وقفاتكم تأتي بعد ساعات قليلة من سحل زملاءكم لشباب الثورة واعتقالهم وبعد أسبوع من تعرية مواطن وقتل آخرين. أخلصوا النية في المطالبة بعدم تسييسكم أو استغلالكم وسوف تجدون شعبًا يقف وراءكم ويعيد لكم هيبة من نوع جديد تقوم على احترامكم لشرف المهنة والمواطنين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق