الأحد، 6 يناير 2013

بكاء على أعتاب الجنة



يجلس القرفصاء وفي يده كوب من الشاي وباليد الأخرة سيجارة ِأشعلها لعل دخانها يقيه بعض برد الشتاء القارس ونارها تذكره بأنه لا يزال هناك دفء في هذا العالم الذي تبلدت مشاعره وتجمدت كل معانيه الجميلة. جلبابه يلامس التراب الذي لطالما أحبه وبذل من أجله سنوات عمره الطوال وعباءة سوداء تلتف حول عنقه لردع هجمات الصقيع. يجلس عبد العال في انتظار شيء ما لا يعرف ما هو ولا متى يأتي. كانت الصمت يخيم على المكان فالساعة لم تتجاوز السابعة صباحًا والوقت يمر ببطء شديد.

وفجأة من على البعد، يظهر رجل في العقد السابع من العمر ينادي في الفضاء "أنت فين يا حبيبي؟ ارجعلي بأى يبني أنا تعبت كفايا كده. 27 سنة مشفتكش. إنت زعلان مني؟ زعلان مني ليه أنا عملت إيه عشان تسيبني كده من غير حتى كلمة في ورقة تبعتها لي؟ لا يبني لأ أنا مستاهلش منك كده أبدًا؟ إنت زعلان عشان مجبتلكش حقك؟ لا يبني إنت مش فاهم، أنا حاولت، بس هم أكتر هم أقوى هم الناس بتسمعلهم ومعاهم المال والسلاح والسلطة. ورغم كده يبني لحد مموت هأجري ورا حقك."

عبد العال ينهض من مجلسه ويتوجه إلى الشيخ المسن "إنت بتكلم مين يا عم الحاج؟"

الشيخ المسن: "أنا بكلم ابني، الشاب الأسمر الجدع الحنين الطاهر المتعلم المتنور من ساعة مراح الجيش مشفتوش. متعرفش يبني أسأل عليه فين؟ دا وحشني أوي يبني هو زمانه دلوقتي في سنك كده قالوا لي عمل عمايل وحشة وراح السجن الحربي وناس تانية قالولي اتعدم وناس قالتلي انتحر، بس أنا مش مصدق ولا واحد من دول وعارف إن ابني عايش وموجود على وش الدنيا حاسس بنفسه لسه شايف خياله بيظهر لي كل شوية وهو شايل الكتاب وبيذاكر على راس الغيط. شايف سماره وجسمه النحيل وهو مميل بيضرب الأرض بفاسه. شايفه بسلاحه واقف عالحدود زي الأسد أصله كان بيحب الفاس والسلاجح وكان دايمًا يقلي يا آبا الفاس نزرع بيها ونحمي إلي يقرب من زرعتنا بالسلاح. كان دايمًا يقولي يا آبا زرعتنا هي مصر وتطرح والله هتطرح طول معرق ودم ولادها بيرويها"

عبد العال: "ابنك دا اسمه إيه يا حاج؟ أصل أنا كمان ابني من ساعة ملبس في الجيش مش لاقيه وقالوا لي آجي هنا أدور عليه لو ملقيتوش هنا هلاقي إللي يدلني عليه."

الشيخ المسن: "ابني اسمه سليمان، أخوك يبني اسمه سليمان محمد خاطر إللي قتل اليهود إللي كانوا عيزين ينجسوا أرض مصر في سيناء. ابني البطل إللي سجنوه ظلم زي مقالولي عشان حافظ على أرضه وعرضه ومرضيش الذل والمهانة ولا إن أي حد يدوس عالتراب الطاهر غصب عن مصر وولادها. هو دا ابني وهي دي تربيتي."

عبد العال: "ياه يا حاج هو أنت أبو الشهيد سليمان خاطر. يااااه."

الشيخ المسن "شهيد؟ شهيد ليه يبني بعد الشر ابني عايش وهيفضل عايش أنا سماع حسه وشامم ريحته وشايف خياله أدامي ليل ونهار. هو بس تلقيه زعلان شوية وهيرجع هيرجع."

عبد العال: "أنا برضه كنت فاكر ن أحمد ابني هيرجع لحد مقابلتك، لأنك بتدور على ابنك من 27 سنة ومش لاقيه لدلوقت. بس أول مشفتك يا أبو الشهيد اتأكدت إن أحمد كمان مش راجع. تعالى يا حاج هنا اقعد جنبي في الميدان ده. هو الميدان ده إللي هنجيب منه حق ولادنا."

يتوافد الآلاف على الميدان منهم أبو محمد وأم علاء وشقيقة مينا وزوجة عماد ويجلسون في صفوف وراء والد لسيمان وعبد العال والد أحمد ويقسمون يمين الله أنهم لن يبرحوا مكانهم إلا بالقصاص لأبناءهم. بينما المشهد في السماء مختلف فبعد أن كانت تمطر دموعًا ساخنة تنهمر بها عيون الشهداء في الجنة، أشرقت سمش الحق في وشقت كل غيوم الباطل والفساد والاستبداد وظهر سليمان خاطر واقفًا مع رضوان خازن الجنة في استقبال أحمد عبد العال آخر شهداء الغدر والإهمال في سيناء. وأخذ سليمان بيده قائلًا "أهلًا بك يا أحمد في عالم العدل أهلًا بك عند ربك شهيدًا طاهرًا مقبولًا بإذن الله، والحمد لله إن أبويا لقى أبوك في الأرض وهيلاقوا غيرهم كتير من أهل الشهداء إللي معانا هنا وهيدوروا على حقنا وهيقفوا لأي حد يتسبب في موت ناس غيرنا عالحدود. هيبأى لبلدنا الكرامة إللي إحنا متنا عشانها يا أحمد. أهلا بك يا بطل."  

ويدخل الشهيدان إلى الجنة ليلاقوا جزاءً حسنًا بما فعلوا. وانطلقت في الميدان أنغام الشيخ إمام عيسى وهو يغني:

برغم إللي خانوا ورغم إلي هانوا ورغم إللي كانوا في غاية الخجل
أضمك وحتما يدور العجل
في كل الأراضي إللي خضرة وحبل
مدام لسه بغزل حروف الغزل
وبنقش غرامي قصيدة وكلامي بينقش أسامي بجحم الدبل
أضمك وبحلم بحضنك وبيت
أنا إللي بنيلك وطميك حييت
وضيعت عمري وما كنت أدري
ولو كنت أدري مكنتش بقيت
على أي صهيوني أول مجيت
 خصيمك نبينا في يوم الحساب
إذا ما ارتأيتي بهذا الكتاب
ولم تبدأي ولم تعشقي ولم تلحقي حتى بالحجارة
في شارع وحارة
ما بين الآثار
وجوه الديار
أو في مبنى السفارة
وآخر كتابي أيا مهجتي         
أمانة ميمشي وراء جثتي
سوى المتهومين في الوطن تهتمي
فداك الدما ياللي شاغلة الخواطر في طول الزمان
فداكي الدما ياللي شاغلة الخواطر في طول الزمان
فداكي الدما ياللي شاغلة الخواطر في طول الزمان 


تحية شكر وتقدير عرفان بالجميل لدماء سالت لتروي الكرامة المصرية على الحدود

سليمان خاطر
أحمد عبد اللعال
طارق محمد عبد الله حماد
باسم عبد الله محمود
محمد إبراهيم إبراهيم عبد الغفار
حامد عبد المعطي عبد العزيز حامد
وليد ممدوح زكريا قنديل
محمد محمود حسن
محمد البغدادي
حمادة عيد أحمد عبد الرحيم
حمدي جمال محمود علي أحمد
محمد أحمد عبد النعيم محمود
محمد محمد عبد الرحمن المصري
أحمد محمد عبد النبي أحمد
أحمد محمد مهدي أحمد
محمد رضا عبد الفتاح رمضان
ثروت سليمان محمود رمضان
محمد سليم سلامة
أسمة جلال
طه محمد إبراهيم
وآخرون




ليست هناك تعليقات: