الخميس، 22 نوفمبر 2012

مرسي الإنسان يقول إيه لمرسي الفنان؟



خرج علينا بلحيته السوداء التي يشوبها البياض وأوسعنا حديثًا عن التوكوك والبسطاء الذين يركبونه وعن الميكروباص والخبز وأنبوبة الغاز. أطلق عليه المعارضون الاستبن بينما المؤيدون يمجدونه ويصفونه بأنه بطل مشروع النهضة. وبعد قليل، إكتشفنا أننا بين نارين أولاهما شفيق بتاع المخلوع وذراعه الأيمن والثانية هي نار بطل النهضة أو الاستبن الذي صار أساسيًا فيما بعد.

بدأ حياته في قصر الرئاسة بطريقة درامية تدمع لها العين. فما بين نزوله إلى صلاة الفجر مع الحرس مرورًا باصطحاب شيماء عادل الصحافية التي اعتقلت في السودان في طيارته الخاصة بعد تحريرها من أيدي السلطات السودانية ووصولًا إلى فتح الجاكت وإعلان أنه لا يخشى شيئًا إلا الله والوعود بتقوى الله في شعبه و70 خطابًا أغلبها على منابر المساجد. 

لتكتمل الدراما، وقف على المنصة في مؤتمر دول عدم الانحياز بالصومال وصلى على النبي صلى الله عليه سلم وأثنى على الصحابة، وهو ما كان مدعاة لأنصار مندوب المرشد بقصر الرئاسة ليبدأو التهليل والتطبيل الليل. ووصلت الدراما إلى قمتها عندما أعلنت الرئاسة قرارتها بعزل طنطاوي وعنان وتغيير قيادات الجيش على رأسها وزير الدفاع ورئيس الأركان. بالطبع زاد التهليل والتكبير  وقضينا ليلة ثانية لم ينم فيها الإخوان من الفرحة. 

كان ما سبق هو نهاية دراما مرسي الإنسان ليكون ذلك بمثابة إعلان بداية ملحمة مرسي الفنان. مرسي الفنان أسعنا حديثًا عن خطة المائة يوم، ولكنها للأسف الشديد لم تتحقق على أرض الواقع. ومع ذلك، صدعنا سيادة الرئيس أو فخامة الرئيس بإنجازاته خلال المائة يوم أثناء الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر التي أوشك الرئيس في خطابه بالأستاد أن  ينسب الفضل فيها لنفسه، إلا أنه اكتشف أنها ستكون مبالغة كبيرة. وأظرف الإنجازات التي أشار الرئيس إليها في إطار الخطاب التاريخي على أرض مدينة نصر أن جهاز المرور حرر 13000 مخالفة لسيارات متنوعة، وهو ما أشار مرسي الفنان إليه على أنه إنجاز رغم أنه فشل ذريع في حقيقة الأمر. 

استمر مرسي الفنان في تكحيلها إلى درجة العمى عندما منح قلادة النيل لقادة المجلس العسكري وكرم اثنين منهم بوظائف حساسة في مصر وواحد منهم، هو صاحب اليد الأكثر تلوثًا بدماء المصريين حمدي بدين القائد السابق لسلاح الشرطة العسكرية، بوظيفة خارج البلاد ليمثل مصر دبلوماسيًا في الصين. 

لم يكد دم الشهداء يبرد حتى أمطرت السماء براءات لمجرمي موقعة الجمل وقتلة الشهداء من أفراد وضباط الشرطة الخاضعين للمحاكمات. كما عين كرسي وزير داخلية أطلق العنان لكلابه لممارسة انتهاكات ضد المواطن المصري فاقت جميع الانتهاكات التي ارتكبتها شرطة المخلوع في 30 عامًا خلال أربعة أشهر فقط. 

سمح مرسي بإقامة مباريات على أرض مصر ولم يمر عام على مجزرة استاد بورسعيد كما أطلق العنان لمصلحجية الكرة في مصر   ليوجهوا السباب للشهداء والثوار وللجميع حتى يستعيدوا الدوري الذي كان يبيض لهم بيض من الذهب. 

قام الفنان مرسي أيضًا ببطولة عدة تمثيليات من أهمها مسلسل إعادة مجلس الشعب المنحل إلى الحياة السياسية ومسلسل إقالة النائب العام ومسلسلات أخرى لم يحالفها الحظ والتوفيق لم تنل إعجاب المصريين الذين أقلعوا عن أكل البالوظة. وكانت هناك مسرحيات أيضًا في مشوار مرسي الفنان تمثل محطات هامة في مشواره المهني، وهو لا يزال طفلًا في مجال السياسة ورضيعًا في قصر الرئاسة.

تعتبر مسرحية غزة والتدخل لوقف إطلاق النار آخر تلك المسرحيات لأنه كان واضحًا جليًا من خطاب مرسي لحبيبه الغالي بيريز أن أي تدخل مصري في الأزمة سوف يفضي إلى وقف إطلاق النار دون مناقشات مطولة أو مفاوضات كثيرة. 

أما آخر ملحمة لمرسي الفنان فهي ملحمة القرارات الثورية التي أتت في أعقاب عضو 6 إبريل، محمد جابر الشهير بجيكا، وإصابة بالغة لمحمود السعيد، عضو الحركة أيضًا الشهير بميدو، وهي مفارقة من مفارقات القدر ترمز لحقيقة على أرض الواقع هي أن الإخوان برئيسهم ضد أي  حركة من حركات التغيير والتطهير. ليس ذلك فحسب، فهم أيضًا ضد جيل الشباب جيل الحركة جيل النضال جيل التغيير الجيل الذي فاجأ الجميع بأنه قادر على أن ينزل أي نظام من قمة جبروته إلى سابع أرض بسهولة وكأنه ينزل بنطلونه على خصره. جيل يشعل النار في أي مستبد كما يشعل سيجارة ينفث دخانها في وجه الظلم. جيل يستهتر بالمخاطر وتهون حياته من أجل بلاده ومبادئه.

تلك الملحمة التي نصب مرسي من خلالها نفسه مليكا على المحروسة، فهو من يشرع القوانين وينفذها ويعدلها ويحكم بها على كل المصريين دون منازع. مرسي يرفع شعر "أنا بتاع كله" بقراراته التي وصفها البيان بالثورية ووصفها الإخوان بالحاسمة والصادرة في الوقت المناسب. إنها قرارات مرسي الفنان بإعادة تمثيلية محاكمات النظام السابق، على حد زعمه، والتي حصنت مجلس الشورى الذي أبدع السادات في استخدامه كغطاء برلماني لأي إجراء استبدادي يقوم به ووطد به المخلوع لنفسه في الحكم ثلاثين عامًا. كما حصنت الجمعية التأسيسية الباطلة وجعلتها فوق القضاء والقانون حتى تخرج له دستور يمكنه من استكمال فترة رئاسته الحالية.

وهناك أيضًا من تلك القرارات قانون حماية الثورة الذي يسنه سارق الثورة، وهو القانون الذي صدر مستندًا إلى عبارة فضفاضة غامضة تشير إلى أن من حق الرئيس أن يقوم بأي إجراء من شأنه التصدي لأي خطر، من وجهة نظره، على ثورة 25 يناير. وأعتقد  أنها لعبة قديمة أن تضع قانون مبهم لا يعرف تفسيره إلا أنت لتتمكن من تفسير مواده كما يحلو لك لتحقيق أهدافك. ذلك القانون سوف يلعب دورًا في إعادة إنتاج الاستبداد حيث يعد الإخوان لاستخدامه لإبادة القوى الثورية عن بكرة أبيها والقضاء على أي أمل في الحرية بعدما قضوا على الأمل في العيش والكرامة الإنسانية العدالة الاجتماعية. وعلى مدار أربع سنوات قادمة من تفعيل قانون حماية الثورة من نفسها، سوف نرى الاعتقالات والتعذيب والمصادرة تعود بقوة إلى المشهد السياسي في مصر دون أن تتوافر القدرة لدى أحد على التصدي لها وفقًا لما أعلنه أحمد جمال الدين وزير الداخلية الذي أكد أن جهاز الأمن الوطني، أمن الدولة سابقًا، استعاد جميع قدراته.

بصدور قانون حماية الثورة، يكون الطريق مفتوحًا أمام مرسي الفنان إلى فترة رئاسة ثانية وتعبيد الطريق أمام فوز مرشح إخواني آخر في الفترة الثالثة معتمدًا على ذراع الباطشة في الداخلية التي ستعود بقوة إلى ممارسة لعبة الانتخابات بالإضافة إلى الإشراف القضائي الذي تجاهله دستور الإخوان ليمرحوا في لجان انتخابات الرئاسة والبرلمان كما يريدون. بذلك يكون قانون حماية الثورة قانون طواريء بثوب جديد لم نعهده من قبل.

يؤكد ما سبق أن هناك سبب واحد لفشل الإخوان المسلمين، الجماعة التي يتجاوز عمرها ثمانين عامًا، في الوصل إلى حكم مصر رغم المحاولات المستمرة والمستميتة لذلك، وهو السؤال الذي لم تسأل الجماعة لنفسها إلى الآن. والإجابة أن الإخوان لم تصل إلى حكم مصر لأنها لا تريد حكم مصر، بل تريد ملك مصر في زمن يأبى الشعب فيه أن يرضخ لملك متوج يعتبر الجميع عبيدًا تحت أقدامه، وهو الثابت في آخر محاولة قام بها حاكم بمحاولة التحول إلى ملك أو فرعون والذي أسقطه الشعب في أيام قليلة.

وسوف تثبت الساعات القادمة الحاسمة والتي ستحدد ما إذا كانت قوى الثورة وشبابها سيقبلون تمرير السيناريو الإخواني لسرقة مصر أم يرفضون ذلك بكل ما أتوا من قوة. قد حذرت قبل ذلك عشية جمعة الحساب التي شن فيها الإخوان هجومًا على القوى الثورية افتعلوا مواجهات عنيفة سادت منطقة وسط البلد انتهت بطردهم من الميدان ولا زالت آثار تلك المواجهات قائمة حيث يمنع الثوار الإخوان من النزول إلى ميدان التحرير أو محمد محمود، عيون الحرية، وكانت إشارتي إلى ما سبق تحمل توقعات بمحالات الإخوان للسيطرة والهيمنة على كل شيء في البلاد والاستئثار بالسلطة، وهي التوقعات التي نُشرت في مقال بعنوان عاطف اسماعيل - وأعدوا: المد الإخواني قادم لا محالة والذي نُشر في جريدة البداية الإليكترونية بتاريخ 12 أكتوبر 2012.

   
      
     

ليست هناك تعليقات: